هل ينجح تعليم ريادة الأعمال في إنهاء بطالة الشباب العربي؟

عالم العمل June 04, 2015

لم ينتهي المنتدى الاقتصادي العالمي المخصص لمناقشة قضايا الشرق الأوسط وشمال أفريقيا دون أن يرتفع صوت شاب ليتحدى جميع القناعات المتزايدة اليوم حول القدرة السحريّة لتعليم ريادة الأعمال على حلّ جميع المشاكل والتحديات القائمة في المنطقة. “أنا أؤمن بريادة الأعمال وأعمل على إنشاء مبادرة لدعم المشاريع الناشئة في غزة” قالت أسمى، عضو في برنامج Global Shapers التابع للمنتدى الاقتصادي العالمي وعضو في حاضنة الأعمال الفلسطينية Gaza Hub، “إلّا أنّه لا يكفي أنّ نعلّم الشباب المهارات اللازمة ونموّلهم لإنشاء شركاتهم، لا بدّ من مرافقتهم على مدى الطريق بدلا من التخلي عنهم في منتصفه”.

وقد كثر الكلام مؤخرا عن ريادة الأعمال وأهميّة تدريب الشباب وتأهيلهم لإنشاء شركاتهم النامية وضرورة ابتكار فرص عمل جديدة في المنطقة نظرا للصراع العالمي القائم مع بطالة الشباب والخريجين، صراع وصل إلى مرحلة حرجة جدا لا سيّما في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (MENA). فبحسب تقرير صادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي في نهاية عام 2014، فإنّ معدلات البطالة بين الشباب في المنطقة هي الأعلى في العالم وتصل إلى نسبة 27.2٪ في منطقة الشرق الأوسط، وإلى أكثر من 29٪ في شمال أفريقيا، أي ما يفوق ضعف المتوسط العالمي. كما يمثل  “تضخم الشباب” الديموغرافي أحد أكبر التحديات التي تواجه اقتصادات المنطقة، علما أنّ أكثر من نصف السكان تقل أعمارهم عن 25 عاما، وأنّ 2.8 مليون من الشباب يدخلون سوق العمل كل عام.

إلّا أنّ التضخم الديموغرافي السريع ليس المسبب الوحيد لارتفاع البطالة بين الشباب في المنطقة. فبحسب دراسة بعنوان “من التعليم إلى التوظيف” أجرتها مؤسسة ماكينزي عام 2012، فإنّ أقلّ من نصف أرباب العمل الذين جرى مقابلتهم يرون أنّ خريجي الجامعات يملكون المهارات اللازمة لسوق العمل. ولايختلف ذلك عن الوضع القائم في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. إذ يؤكد أصحاب الشركات الكبيرة أنّ فرص العمل متوفّرة لكنّ الشباب لايملك المهارات اللازمة لتعبئتها. هذه الحقيقة الذي يتمّ تداولها منذ بعض الوقت دفعت المفكرين والباحثين إلى التشكيك في هيكليّة وطرق التعليم القائمة في المنطقة وإلى التساؤل عن الدور الذي يجب أن تلعبه المدرسة والجامعة والحكومات أيضا في إعداد الشباب لسوق العمل.  

ولم يغب هذا النقاش عن منصّة المنتدى الاقتصادي العالمي المخصص لمناقشة قضايا الشرق الأوسط وشمال إفريقيا هذا العام، إذ تمّ تخصيص جلسة كاملة لمناقشة قضيّة الشباب العالقة في المنطقة. وقد شارك في هذه الجلسة كلّ من: الأستاذ عمر الغانم، الرئيس التنفيذي لشركة الغانم للصناعات، والأستاذ محمود جبريل، رئيس وزراء ليبيا سابقا وزعيم تحالف القوى الوطنية في ليبيا، والسيدة بدور القاسمي، رئيسة الشارقة للاستثمار والهيئة العامة للتنمية في الإمارات العربية المتحدة، والسيدة كارولينا بوربن بارما، وكيل الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، وقد حاورهم جميعا الأستاذ فادي غندور، مؤسس ونائب رئيس مجلس إدارة شركة أرامكس الدولية.

وقد تطرّق النقاش إلى عدّة نقاط أساسيّة منها عمالة المرأة في المنطقة. فقد أشار الأستاذ فادي غندور إلى أنّ النساء تشكّل أكثر من 50% من نسبة خريجي الجامعات، فيما لا تزيد نسبة العاملات في القطاعات المختلفة عن 18% متسائلا عن الأسباب التي تثني المرأة العربية عن العمل وكيفية مواجهتها. وقد وضّحت السيّدة بدور القاسمي، أنّ وضع المرأة الراهن في سوق العمل يعود إلى أسباب عدّة أهمّها الأحكام المسبقة، والصور النمطية، والقناعات المتوارثة حول دور المرأة والوظائف التي تسمح لها الأعراف الاجتماعيّة بممارستها. كما شرحت القاسمي أنّه من أجل تحسين وضع المرأة العربية في سوق العمل، لا بدّ أوّلا من مواجهة هذه الأحكام والصور والقناعات وتسليط الضوء على النساء اللّواتي نجحن في تحدّي التنميط الجنساني وكسره. لكنّه لا بدّ كذلك من نشر التوعيّة حول تربية الأطفال في مسؤولية مشتركة بين الأبوين، وتوفير القوانين والخيارات التي تدعم النساء وتسهّل عليهنّ الموازنة بين حياتهنّ الخاصة وحياتهنّ المهنيّة كقانون إجازة الأمومة وأوقات العمل المرنة وغيرها.

أمّا في ما يتعلّق بعطالة الشباب بشكل عام، فقد وضّح الأستاذ عمر الغانم أنّ الحلّ يكمن في نقاط ثلاث هي بناء الثقة بالنفس، وخلق فرص العمل، ودعوة القطاع الخاص إلى المشاركة في الحلّ. فعلى ضوء إستفتاء أجرته شركة الغانم للصناعات على صعيد ألفين ومئتين شاب من بلاد الخليج وسائر البلاد العربية فإنّ أكبر مشكلة تواجه روّاد الأعمال الشباب في المنطقة هي القوانين الحكومية، أمّا السبب الأوّل الذي يمنع الشباب من إنشاء شركاتهم الخاصة فهو الخوف من الفشل ويعود ذلك إلى كثرة المخاطرة حول ريادة الأعمال. ويرى الغانم أنّ هذه النتائج تبيّن ضرورة إصلاح التعليم بحيث يصبح قادرا على تعليم الشباب الثقة بالنفس وتعزيز مهارات التفكير السليمة. وأشار الغانم أنّه يمكن للحكومات العربية من خلال الاستثمار في البنى التحتية خلق العديد من فرص العمل وأنّه لا بدّ من مشاورة القطاع الخاص على القطاع الخاص وإشراكه في اتخاذ القرارات الحكومية المتعلّقة بتعليم الشباب على أن يلتزم هذا الأخير بتدريبهم ودعم المبادرات التي تنمي مهاراتهم العمليّة من أجل إعدادهم لسوق العمل.

وقد وضّح الأستاذ محمود جبريل، رئيس وزراء ليبيا السابق وزعيم تحالف القوى الوطنية في ليبيا أنّ الشباب العربي هو الحلّ وليس المشكلة. كما أكدّ أنّ عمليّة نزع السلاح من أيدي الشباب مسؤولية حكوميّة لا يمكن تحقيقها إلّا من خلال توفير وتنفيذ رؤية وطنيّة تضع الاقتصاد الوطني في قلب الاقتصاد الإقليمي والعالمي ومن ثمّ تحريك الموارد حول هويّة الاقتصاد الجديد وتدريب وتعليم الشباب ليصبحوا عناصر فعّالة في ضوئه.

ولم تغب الأزمة السوريّة الراهنة عن النقاش إذ أوصلت السيدة كارولينا بوربن بارما، وكيل الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) صوت اللاجئين إلى المؤتمر مؤكّدة أنّه في خضمّ ظلمات التهجير يشكّل التعليم بصيص الأمل الوحيد للأطفال اللاجئين وأسرهم وأنّ هؤلاء غالبا ما يكونون حريصين عليه. إلّا أنّ دخول سوق العمل هو من أكبر التحدّيات التي تواجههم فيما بعد، الأمر الذي يجلّي أهميّة الشراكات بين القطاعين الخاص والعام ودور القطاع خاص في مساعدة الشباب عبر تأمين الدعم المادي والتدريب للمنشآت التي توفّر التعليم للمهجرين وضحايا الحروب ومساعدتهم عبر تدعيم شبكة علاقاتهم الاستراتيجية.  

وفي حين تدلّ الدراسات على صعوبة الوضع الراهن ووعورة الطريق الذي ينتظر الحكومات العربية والشباب في مشوارهم نحو الفاعليّة الاقتصاديّة وهزم شبح البطالة الذي يحوم ويمتدّ فوق المنطقة منذ سنين، لايزيد التحدّي الشباب العربيّ إلّا قوّة وتصميما وإيمانا. فقد بيّن إستفتاء الشباب العربي لعام 2015 والذي أجرته مؤسسة أصداء بالتعاون مع مؤسسة بورسن مارستلر Burson-Marsteller أنه في حين يشعر 81% من الشباب المستفتى بالقلق حول مستقبل العمل، فإنّ 68% من شباب الخليج و61% من شباب سائر البلاد العربية يثقون بقدرة حكوماتهم على مواجهة التحدّيات القائمة. فهل سترقى هذه الحكومات إلى مستوى توقعات شبابها؟