تعليم ريادة الأعمال للشباب: من البنائية إلى الترابطية

علوم التعلّم والعلوم السلوكية February 28, 2017

في السنوات الأخيرة بزغت عدة نماذج ناجعة وأخرى أقل واقعية في ميدان تعليم وتلقين ريادة الأعمال وخاصة للأجيال الجديدة (واي Y  و زد Z ) التي أبانت عن ارتباطها الشديد بتقنيات التعليم التفاعلي بعيدا عن التلقين النظري من جانب واحد. ومن أهم الموجات على الصعيد الدولي في هذا الميدان الاتجاه نحو الانتقال من البنائية نحو الترابطية أو المزج بينهما.
 

قبل الدخول في حيثيات هاته التوجهات التعليمية في ريادة الأعمال نستعرض هذين المنظورين:

 

المنهج البنائي: هي نظرية تعليمية طورت منذ أواخر عشرينيات القرن العشرين والتي تفترض أن معرفة المتلقي هي مبنية أصلا على واقعه وليس نسخة للإنسان فقط وبالتالي تعتمد في منظورها على بناء واقع المتعلم من خلال تجربته المهنية والحياتية وتنمية قدراته الفطرية من ناحية التعلم عن طريق التطبيق (Learning By Doing) .

 

استيعاب الشباب لمفاهيم تعليمية متعلقة بريادة الأعمال لن يكون ناجعا إلا باستحضار تجاربهم وما مر بحياتهم الشخصية والمهنية. وإذا ما قمنا بإسقاط تجارب وأبحاث أول رائد من رواد نظرية البنائية “بياجي” والذي قام بجل أبحاثه على الأطفال في المراحل الأولى لحياتهم و إذا اعتبرنا أن رواد الأعمال المبتدئين قد يطلقون مشاريع وهي في مراحل حياتها الأولى، وغالبا ما تكون تجربتهم التعليمية مركبة من ما هو نظري وما هو واقعي نابع من اكتشاف محيطهم العام، فنجزم بأهمية إدماج خرجات ميدانية واكتشاف المحيط الخارجي والداخلي في أي برنامج تعليمي لريادة الأعمال .كما أن المنظر “بياجي” وجد أن الإنسان يبني معرفته عن طريق مناولته للمحيط ومكوناته وإجراء التجارب وبالتالي فالتفاعل بين الفرد المتعلم والمحيط هو أساس المنهج البنائي حيث أن مهمة مدرس رواد الأعمال تتجلى في  تسهيل  التحفيز والتعليم التجريبي.

إنبثق عن النموذج البنائي ما يسمى بالبنائية الاجتماعية التي أدرجت العامل الاجتماعي في الاستيعاب حيث يتأثر المتلقن بمجتمعه ويكون جانب غير موضوعي خفي في مسلسل تعلمه حيث يبني معرفته من منطلقه الاجتماعي ويستمر في البناء المعرفي أو حتى تغييره لاستيعاب المزيد من المعارف وهنا تكمن أهمية ملائمة برامج ريادة الأعمال وخصوصا الجانب التكويني منها للخصوصيات المحلية لكل بلد.

المنهج الترابطي: وهو نظرية طورت من طرف الباحثين الكنديين سيمنس و داونز حيث أخذا بعين الاعتبار مساهمة التكنولوجيات الحديثة حيث أبانت النظريات التعليمية الأخرى عن محدوديتها وحتى البنائية منها لشرح آثار التكنولوجيا على طريقة عيش الناس، والتواصل والتعلم وهم نفس الباحثين الذين طوروا ما يسمى المساق الهائل المفتوح عبر الأنترنت (موك) سنة 2008 والذي كان أوله في التعليم الترابطي.

 

الدافع وراء الترابطية هو استيعاب أن القرارات تستند على أساسات تتغير بسرعة وأن مسلسل إستيعاب معلومات جديدة مستمر ولايتوقف وباعتبار أن تعليم ريادة الأعمال للشباب يخص جيلي الألفية (واي) ومابعد الألفية (زد) ويعتبر هذين الجيلين من أكثر الأجيال التي عايشت الطفرة الرقمية فمن المهم الأخذ بعين الاعتبار إدماج آخر صرعات التكنولوجيا التعليمية كمثال:  

  • استخدام العمل التعاوني من أجل التعلم التعاوني
  •  فتح المصادر الخاصة للتعاون وللتقاسم
  • استخدام الموارد التعليمية القائمة والمتنوعة: أشرطة الفيديو والمقابلات، والألعاب…
  • توجيه المتعلمين لريادة الأعمال لندوات ومواد رقمية على النت لتعميق فهمهم وتوسيع مداركهم
  • تحسين قدرات رواد الأعمال للمساهمة في تنشيط الشبكات المعرفية وتبادل التجارب عبر الانترنت وكذلك تطوير المهارات
  • المفاهيمية
  • الجمع بين خبرات متعلمي ريادة الأعمال من مختلف التخصصات والأعمار
  • خلق نموذج تعليمي يساعد على الاستقلالية في توسيع المعارف والتفاعل الرقمي
  •  إغناء الدورات التعليمية من خلال شبكة من الخبراء الخارجيين والمتعلمين الآخرين

في الأخير، يمكن أن نستخلص أهمية المنهجين التعليميين المتعلقين بالمنظور البنائي والمنظور الترابطي لدرجة أن سميت الترابطية بالنظرية البنائية الجديدة وهو ما يعني أن المزج بين هذين المنهجين يعتبر الخيار الأفضل لتعليم ريادة الأعمال للشباب. وقد نجد من أهم معيقات إنزال هذين النموذجين التعليميين لريادة الأعمال على أرض الواقع:

الفجوة في بيئة الأعمال: حيث تتمثل هاته الهوة في عدم تكاملية وتنسيق الفاعلين في ريادة الأعمال بينهم مما ينعكس سلبا على البرامج التعليمية لريادة الأعمال وخصوصا إذا لم يكن هناك خرجات ميدانية و محاكاة لبيئة الأعمال ونقل التجربة من المتمرسين والخبراء.

الفجوة الرقمية: هي هوة ناتجة عن عدم المساواة الاقتصادية والاجتماعية فيما يتعلق بالوصول إلى، استخدام، أو إيجاد أثر إيجابي لتكنولوجيا المعلومات والاتصال بحيث أن أهم عوامل نجاح أي برنامج تعليمي لريادة الأعمال تكمن في التخفيض من حجم هذه الفجوة عن طريق منظومة إدماج رقمي تغطي على نقص في الأجهزة والبنية التحتية الرقمية من جهة وكذلك نقل المعرفة الرقمية من جهة أخرى فلا يمكن أن نراهن على تلقين ريادة الأعمال لجيلي الألفية وبعد الألفية بتغييب المكون التكنولوجي والرقمي.