ريادة الأعمال، موهبة فطرية أم مهارة مكتسبة ؟

المهارات الحياتية February 11, 2015
يقدم وايز أسبوعياً مجموعة من أحدث الأخبار والأفكار المختارة من وسائل الإعلام والمدونات المختصة ومؤسسات الفكر والرأي من جميع أنحاء العالم، وذلك في محاولة إلى التعرف على أفضل الحلول والممارسات الهادفة إلى مواجهة التحديات التي تثقل قطاع التعليم.
 في العدد السابق من “آخر مستجدّات الابتكار في التعليم حول العالم” طرحنا قضيّة الارتفاع المستمرّ في معدّل البطالة بين خريجي الجامعات. ووضحنا كيف أنّ هذه الظاهرة تدفع الناس إلى إعادة النظر في النموذج التعليمي القائم والتساؤل حول فعاليّته في خدمة مصلحة الجيل الجديد. كما اعتمدنا على عدد من المقالات وآراء الخبراء لاستطلاع كيف يمكن للمعلّم المشاركة في إعداد تلاميذ اليوم لوظائف الغد. فاستخلصنا المهارات الشخصية ومهارات التعلّم التي لا بد من تنميتها في الأطفال لضمان نجاحهم في سوق العمل المستقبليّ وكيفيّة رعايتها. في عدد هذا الأسبوع، سنستكمل موضوعنا هذا موضحين كيف يمكن للأهل والمعلّمين مساعدة الأطفال في تنمية وتطوير حسّ ومهارات ريادة الأعمال.
 
تشير لوبا فانغيلوبا في مقال لمدوّنة “مايند شيفت”(Mind Shift) إلى أنّ جميع روّاد الأعمال، سواء كانوا كتابا، نجارين، مبرمجي حواسيب أو رؤساء جمعيّات خيرية، يتمتّعون بصفة واحدة مشتركة ألا وهي الذهنيّة الرياديّة. وتشرح فانغيلوبا أنّ هذه الذهنيّة هي ما يمكّنهم من رؤية فرص التحسين، واتخاذ المبادرات والتعاون مع الآخرين لتحويل أفكارهم إلى أفعال. كما تؤكّد الكاتبة مستندة على أبحاث يونغ تشاو، أستاذ في كلية التربية والتعليم في جامعة أوريغون، أنّ هذه الذهنيّة الرياديّة هي ذهنيّة فطريّة إذ يولد الجميع مع بعض الميول الريادية والتي تتعلّق في جوهرها بالقدرة على حل المشاكل بشكل خلاق. وتوضّح لوبا فانغيلوبا أنّه بالنسبة لتشاو فإنّ نظام التعليم الحالي لا يدعم تطوير هذه الذهنية الرياديّة وذلك لاعتماده على المعايير والاختبارات الموحّدة والمناهج الدراسية المقررة، والتى تتعارض جذريا مع التفكير الريادي. ويؤكّد يونغ تشاو أنّ الدراسات قد بيّنت وجود علاقة عكسيّة بين مستويات التحصيل الأكاديمي ومستويات ريادة الأعمال من جهة، وبين عدد سنوات الدراسة ومستويات الريادة من جهة أخرى. لذلك يدعم تشاو نموذجا تعليميا مختلفا تماما لمساعدة الأطفال على الازدهار في عالم سريع التغير. تشرح فانغيلوبا أنّ الخبير التربوي يونغ تشاو يتصور مدرسة تجمع بين ثلاثة عناصر أساسية لمشاعدة التلاميذ على تطوير حسّ ريادة الأعمال، وتتضمّن هذه العناصر: بيئة غير قسرية قائمة على الحرية (المدرسة الديمقراطية)، تعزيز فرص التعلم القائم على المشاريع وأخيرا التفاعل مع العالم الخارجي الأكبر. ويوضّح تشاو أنّ المدرسة الديمقراطية تنقل المسؤولية من المعلّم إلى المتعلّم وتكرّم التنوّع الطبيعي بين الأفراد. كما تعطي الطلاب الحرية لقضاء وقتهم كما يشاؤون واختيار الصفوف التي تهمهم مما يسمح لهم تطوير مواطن قوّتهم، وهو تماما ما يقوم به أصحاب المشاريع الناجحة بدلا من إضاعة جهودهم في محاولة التشبه بالآخرين. ويؤكّد تشاو أنّه على البيئة الكامنة وراء نظام التعليم أن تكون مرنة، ومتنوّعة وقائمة على التمثيل الديمقرطي بحيث يفهم الطلاب أنهم جزء من كيان ديمقراطي يسمح لهم بتشكيل المجتمع وتغييره.

وتوضّح فانغيلوبا أنّه إضافة إلى البيئة الديمقراطية، يزيد تشاو التقنية الجديدة العالية، والتي تأخذ التعلم القائم على المشاريع إلى مستوى آخر. وأنّ اعتماد نموذج التنظيم الرياديّ للتعليم القائم على المشاريع يضع التركيز على المنتج بدلا من المشروع فيبتكر الطلاب المنتجات أو الخدمات التي تلبي احتياجات حقيقية، ويبنون المعرفة والمهارات أثناء هذه العملية. يشير تشاو أنّه بالنتيجة يقرّر الطلاب أي منتج يصنّعون في حين يكمن دور المعّلم في تسهيل العملية التنفيذية والتعليمية فحسب. أمّا بالنسبة للعنصر الثالث: إنشاء الوعي عالمي، فتشرح الكاتبة أنّه بالنسبة لتشاو يمكن تحقيق ذلك بطرق عديدة تتراوح من تعلم اللغات الأجنبية، إلى تأمين فرص التعاون مع الطلاب الأجانب وتعليمهم أمورا تتعلّق بالبيئات المحليّة المختلفة.

وفي محاولة لتحسين آداء طلّابها الأكاديمي وزيادة تحفيزهم والتزامهم بأعمالهم، قامت المعلّمة والمدوّنة الأميركيّة رالي ويربرغر  باعتماد نموذج التنظيم الرياديّ للتعليم القائم على المشاريع على صعيد الصف التاسع ابتدائي. ويقوم هذا النموذج على تصميم الفصول على شكل مشاريع رياديّة صغيرة. وقد رافقت المعلّمة الطلاب في رحلات ميدانيّة لزيارة بعض المشاريع الصغيرة الناشئة والاستيحاء منها. ثمّ قام التلاميذ بتوزيع الأدوار بين أعضاء الفريق الواحد بما يتناسب مع عالم الأعمال الحقيقي: المقاولون وهم مسؤولون عن ترسيم المهام والتواصل مع الموظفين والمعلم وأصحاب الأدوار الأخرى، المصممون وهم يعملون على تصميم وتنمية النموذج، المسؤولون عن المبيعات وهم يقومون بتطوير وسائل الترويج المختلفة عبر مواقع التواصل الاجتماعي والمواد الإعلامية الأخرى. بعد توزيع الأدوار، بدأ الطلّاب العمل وباتوا يعقدون اجتماعات دوريّة لاكتشاف تقدّم سير العمل. وقد لاحظت المعلّمة أنّ كلّ عضوّ في الفريق طوّر تدريجيا الشعور بالمسؤولية تجاه الأعضاء الآخرين مما جعلهم أنفسهم سائلون أنفسهم عند الفشل ويندفعون نحو تطوير أنفسهم والتحسن في تأدية مهامهم. ونتيجة لهذا المشروع سارع الأهل لجلب الخبرات الخارجية لمساعدة الطلاب على اتقان المنتج و استراتيجية التسويق الخاصة بهم واقتصر دور ويربرغر على تسهيل عمليّة التعلّم والتأكد من حسن سيرها. كما لاحظت المعلّمة الأميركيّة أنّ هذه التجربة الرياديّة قد أثّرت على سلوك التلاميذ على مستويّات عدّة. فمن الناحية الأولى، أصبح الطلاب أكثر انخراطا في العمل المدرسي، وأكثر استعدادا لاجراء محادثات مع والديهم حول المدرسة. من الناحية الثانية، تقدّم الطلّاب في آدائهم على صعيد المنهاج المفروض إذ باتوا يرون في الفصول الدراسية التقليدية فرصة لتطوير المهارات الأساسية التي يحتاجونها لتحقيق النجاحات المستقبلية (أهمية اللغة للتواصل والرياضيات من أجل تحقيق وحساب الربح، وما إلى ذلك). إضافة إلى ذلك كلّه، قام الطلّاب بإعادة تعريف النجاح الذي لم يعد بالضرورة الحصول على علامة مميّزة أو نجاح مادّة معيّنة بل رفض الاستسلام والمثابرة على التطوّر وتحقيق النجاح.

إلّا أنّ تطوير الحسّ الريادي للأطفال لا يتمّ في الفصول فحسب، بل يمكن للأهل أيضا أن يلعبوا دورا فعالا في تنمية المهارات الرياديّة لدى أطفالهم. فبحسب طوم موران، المدير العام للبرامج في شركة مايكروسوفت، يكمن دور الأهل في: مساعدة الأطفال في تنمية حسّ الفضول، الاكتشاف وحل المشاكل، وتعليم الطفل قيمة العمل الجدي، ومساعدة الأطفال في تحسين مهارات التواصل، وتشجيع الأطفال على التحليل الوقائع والنظر إلى ما وراء المعطيات، ومساعدة الأطفال وتشجيعهم على تنمية رؤية متنوعة للعالم، إضافة إلى مساعدتهم في تنمية المهارات الأساسية التي تتجسّد في الفضول الكافي للتعرّف على المشاكل وحلّها.