كيف يمكن إعادة تحفيز طلّاب اليوم على التعلّم

مرحلة الطفولة المبكرة January 10, 2017
يقدم وايز مجموعة من أحدث الأخبار والأفكار المختارة من وسائل الإعلام والمدونات المختصة ومؤسسات الفكر والرأي من جميع أنحاء العالم، وذلك في محاولة إلى التعرف على أفضل الحلول والممارسات الهادفة إلى مواجهة التحديات التي تثقل قطاع التعليم.



في عدد هذا الأسبوع، سنتطرّق بشكل خاص إلى سؤال مهمّ بات يفرض نفسه في غالبية المؤسسات التعليميّة والحوارات والنقاشات الأكاديميّة حول العالم: “كيف يمكن إعادة تحفيز طلّاب اليوم على التعلّم؟” والحقيقة أنّ هذا سؤال مفصليّ لابدّ لنا من معالجته بطريقة تدريجيّة. فمن أجل اكتشاف كيفيّة إعادة تحفيز الطلّاب على طلب العلم، لا بدّ أوّلا من طرح سلسلة من الأسئلة ننتهي من خلالها إلى استنتاج العوامل المؤدية إلى حالة النفور المشخصة. فكما يبدأ العلاج بتشخيص أسباب المرض، لا بد من أن نتعرّف إلى الأسباب الكامنة وراء نقص الحوافز الذاتية تجاه التعليم لدى الطلّاب (لماذا بدأ الطلّاب يفقدون اهتمامهم بالتعليم؟). كما لا بدّ لنا من التعرّف على مراكز اهتمامهم الحالية والتساؤل حول العوامل التي تجذبهم نحوها. بالتالي يمكننا إجراء مقاربة بين التعليم ومراكز اهتمام الطلّاب من أجل تحديد كيفيّة جذبهم نحو العمليّة التعليميّة من جديد. من أجل القيام بكلّ ذلك، سنعتمد اليوم على آراء عدد من المربيين وخبراء التعليم، كما سنستند إلى تجارب فعليّة قد أثبتت نجاعها على أرض الواقع.

 

نبدأ إذا مع السؤال الأوّل والذي يتعلّق بالأسباب الكامنة وراء فقدان الطلّاب اهتمامهم بالتعليم والمواد المقترحة عبر المناهج الدراسيّة. يرجح الخبير التربوي جوردن شابيرو أسباب نفور طلّاب اليوم من العمليّة التعليميّة إلى فقدان  المواد صلتها بالعالم الواقعيّ. إذ أنّ المربين والمؤسسات التعليمية لايقومون بربط المواد التعليميّة بالتجارب العمليّة كما لا يبرهنون للطالب كيف يمكن استثمار هذه المعرفة في العالم الحقيقيّ. فبالنسبة لـشابيرو، لا يمكن للمرء أن يستوعب المفاهيم المجرّدة إلّا إذا قام باختبارها مباشرة حاصلا بذلك على ردّات فعل وتقاويم فوريّة تعيّن درجة فهمه للمادة. وفي السياق نفسه، يؤكّد أنّه لا يمكن لأي طالب أن يبدي اهتماما بالمواد التعليمية إلّا إذا تبيّن له كيفيّة استخدامها والاستفادة منها في الحياة الواقعيّة. ويعيّن الخبير الأميركيّ هذا الواقع على أنّه المسبب الرئيسي لنفور الطلاب من النظام التعليمي القائم. ويستند في تشخيصه هذا على مراقبته لأطفاله الذين مقابل نقص اهتمامهم بالمدرسة يبدون اهتماما وتعلّقا بالغا بالألعاب الالكترونية. فيتساءل شابيرو عن أسباب هذا التعلّق ويستخلص ما  يلي: على عكس أكثرية الممارسات التعليمية القائمة، تعطي الألعاب الالكترونية الأطفال فرصة لاستخدام المعرفة الجديدة في سياق مباشر، كما يستمتع الأطفال بالألعاب الالكترونية لساعات طويلة لأنها تحاكي القدرة على حل المشاكل المعقدة وتعلم المهارات الجديدة فيشعرون بالفرح والسرورعند النجاح. يرجح شابيرو أنّ هذه العوامل  مجموعة تزرع في الأطفال دوافع ذاتيّة وداخليّة نحو التعلّم والتميّز. فهو يرى أنّ الأطفال يحبّون ألعاب الفيديو لما تتيح لهم من اكتساب مكانة بين اللاعبين والأصدقاء وقدرة على ابتكار عالم خاص بهم، والسيطرة على الاحتمالات، فيشعر الأطفال بالفضول والرغبة في تحدي أنفسهم لحل مشاكل جديدة. ويقترح شابيرو استخدام  الألعاب الالكترونيّة من أجل إعادة تحفيز الطلّاب نحو التعلّم واكتساب المعرفة. فبالنسبة له، يمكن للألعاب الالكترونية أن توفّر للطالب بيئة آمنة يحاكي فيها تجارب الواقع. ومن خلال ربط لنظريات العلمية التي يتم تعليمها في المدارس بالألعاب الالكترونية، يمكن إعطاؤها بعدا تطبيقيا واقعيا مما يزيدها جاذبيّة للطلّاب. كما أنّ التعليم عبر الألعاب الالكترونية سيكون مدفوعا بالمرح فيولّد لدى الطلّاب دافعا ذاتيا نحو التعلّم.
إلّا أنّ استخدام الألعاب الالكترونية لا يشكل السبيل الوحيد نحو ربط المواد التعليميّة بالحياة الواقعيّة، بل يمكن تحقيق ذلك أيضا عبر التعليم القائم على المشاريع وهو أسلوب تعليميّ جديد بات يكتسب شعبيّة كبيرة بين المعلّمين والمربين في أميركا. وتعرّف المعلّمة الأميركيّة هاذر وولبرت غاورون التعليم القائم على المشاريع على الشكل التالي:
” التعليم القائم على المشاريع هو عملية تعليمية مستمرة تتناول مواضيع مختلفة في الوقت عينه. و هو يتحقق من خلال توجيه الطلاب لتحديد، من خلال البحث، مشكلة (محلية أو عالمية) قائمة في العالم الحقيقي واقتراح حلول لها بالاستناد إلى الأدلة العلمية والمنطقية، ومن ثمّ عرض هذه الحلول باستخدام الوسائط الالكترونية المتعددة للقرن الـ21. يبين الأطفال ما تعلموه أثناء الرحلة التعليمية من خلال التفاعل مع الدروس، والتعاون مع بعضهم البعض، وتقييم أنفسهم والآخرين”.

إذ ينطلق التعليم القائم على المشاريع من التعرّف على مشكلة موجودة في العالم الحقيقي وابتكار حلول لها فيبيّن الأطفال ما تعلّموه أثناء التقدّم في العمليّة التعليمية وليس في النهاية فحسب. و يقدّم التعليم القائم على المشاريع الدروس على شكل قصة تتناول مشكلة يجب حلها أو نشاط يجب تطويره. والتعلم يحدث على طول الطريق نحو تقديم الحل.

وبحسب هاذر وولبرت غاورون، يرتكز التعلم القائم على المشاريع على عناصر عدّة يمكن اختصارها كما يلي:  لعب الأدوار، استحداث السيناريوهات من العالم الحقيقي، استخدام أنواع الكتابة الالكترونية والتقليدية، قراءة أنواع متعددة من النصوص، التقييم، الجمهور، جلب خبرات العالم الحقيقي إلى الفصول الدراسية، إيجاد وحدات تقيّم المهارات المتعددة، إيجاد وحدات مختصة في البحث وفهم الموضوعات متعددة، تثمين خيارات الطلاب، التعاون، واستعمال أساليب التواصل المتعددة (الكتابة والتحدث الشفوي، والعروض المرئية، والنشر، وغيرها). بذلك يعترف هذا الأسلوب التعليمكي المميّز أنّ الطلاب لا يتشابهون وليسوا مطابقين لبعضهم، كما أنّهم لا يتعلّمون بنفس الطريقة، لذلك فلا يمكن تقييمهم بطريقة موحدة خاصة إذا كان الهدف هو تعزيز الابتكار.



وفي إطار مشابه يهدف أيضا إلى تثمين خيارات الطلّاب والسماح لهم بالمشاركة الفعالّة في تصميم العمليّة التعليميّة بهدف تحفيزهم ورفع مستوى التزامهم بالتعلّم، يقوم معلّمو ثانوية ديزاين تاكDesign Tech High School  القائمة في ضواحي سان فرانسيسكو بوضع برنامج أسبوعيّ جديد في بداية كل أسبوع، بناء على تقدم الطلاب في الصف. والأهم من ذلك أنّ اختيار الصفوف والنشاطات لا يتمّ من أعلى إلى أسفل، بل يقرّر الطلاب بأنفسهم كيفية قضاء شرائح معينة من يومهم. وتشرح نيكول دوبو Nichole Dobo أنّه في هذه في المدرسة  المبتكرة، يمزج المعلمون التكنولوجيا مع التعليم التقليدي ويمكن للطلاب الاشتراك في دورات على الانترنت تتناول مواضيع لا تقدّم في المدرسة. كما تقدّم المدرسة بعض الفصول القائمة على المشاريع والتي تتطلب القيام ببحوث في المجتمع المحيط. كما أشارت الصحفية بالاستناد على شواهد الطلّاب والمربين أنّ هذا الأسلوب التعليمي، على الرغم من الضغوطات التي يولّدها على الأساتذة والطلاب على حدّ سواء، يعلّم الطالب التنظيم الذاتي والتفكير العقلاني وهماعاملان من شأنهما أن يصبحا أساسيين من أجل تحقيق النجاح. كما سطّرت كيف أنّ هذا النظام يسمح للطلاب بالتعاون والعمل ضمن فريق والمشاركة في اتخاذ القرارات ما يمكنهم من تعلّم قيمة نتائج القرارات الشخصية وتأثيرها على الآخرين.



وفي نموذج آخر، تشرح ليليان مونغو Lillian Mongeau، كيف يقوم أحد خبراء التعليم في كاليفورنيا باعتماد التفكير التصميمي من أجل بناء مدرسة جديدة في أحد الأحياء الشعبية التابعة للأقليّة اللاتينيّة. وتشرح الصحفيّة أنّ التفكير التصميمي هو طريقة لحل مشكلة معيّنة قد تمّ ابتكاره من قبل أساتذة جامعة ستانفورد الذين سعوا إلى جمع وتنسيق مراحل عملية تصميم المنتج من أجل تقديم حلول مبتكرة لتلبية احتياجات المستخدمين. ويضع التفكير التصميمي حاجات المستخدم أوّلا، وفي حالة المدرسة، يشكل الطلاب والأهل فئة المستخدمين. اعتمادا على هذا المبدأ، قام ويل أيدين، المدير المستقبلي للمدرسة بإجراء مقابلات مع أكثر من ثمانين عائلة من الحي من أجل الاستفهام عمّا ينتظرونه أو يودون إيجاده في مدرسية محليّة معتمدا على أجوبتهم في تصميم المدرسة المستقبليّة. فبالنسبة لأيدين، ينفرد كلّ مجتمع  بقيمه وميّزاته والتحديات التي يواجهها وعلى المدرسة أن تتمكن من استثمار هذه الميّزات ومواجهة هذه التحديات. ومن خلال التعرّف على توقعات الطلّاب وآمالهم، يمكن تعزيز انخراطهم في النظام التعليميّ وإعادة تحفيزهم نحو التعلّم وكسب المعارف التي تتلاءم مع احتياجاتهم.