تعليم ريادة الأعمال في مواجهة محدودية أسواق العمل

عالم العمل January 22, 2016

تعتبر الاستفادة الفعالة من مخرجات التعليم بكافة مستوياتها من أهم التحديات التي تواجه قطاع التعليم في العالم العربي اليوم. حيث يشير تقرير منظمة العمل الدولية (نوفمبر 2015) إلى أنّ نسبة البطالة للفئة العمريّة (1524 سنة) في الشرق الأوسط تصل إالى 28.2%، و30.5% في شمال أفريقيا، وتعتبر هذه النسب ضعف تلك المسجلة عالمياً. لذلك لابد من النظر إلى ريادة الأعمال والعمل الحر كقناة مهمة للغاية، قادرة على استيعاب الشباب وضمّهم إلى سوق العمل بما يؤدي إلى استثمار مخرجات التعليم بشكل إيجابي وبنّاء يسمح بتحقيق التنمية المستدامة. من هذا المنطلق فإنّ اعتماد مؤشر الالتحاق بسوق العمل كمعيار وحيد لتقييم جودة وفاعلية التعليم يصبح مقاربة محدودة تخضع بشكل مباشر لمحدودية سوق العمل، ومقياسا مضللا للقيمة الحقيقية لرأس المال البشري والمعرفي الناتج عن التعليم.

وبالنظر إلى مخرجات التعليم ونسبة العاطلين عن العمل نستنتج أنّ هناك فجوة بين العلم والمعرفة المكتسبين، ومؤسسات التعليم ومؤسسات الأعمال. إذ نلاحظ أنّ الخريجين الجدد يواجهون مصاعب جمّة في إيجاد الوظائف المناسبة واللائقة وأنّ مؤسسات الأعمال تضمّ عاملين من جميع الفئات: المهرة وغير المهرة وحتى المبادرين من رواد الأعمال. والحقيقة أنّ العلم والمعرفة، ومؤسسات التعليم ومؤسسات الأعمال تشكّل عناصر مركزية لجميع مراحل التنمية. إلّا أنّ عمل هذه المكونات بفاعلية وإنتاجية وإمكانيّة مساهمتها في تحقيق الرفاه الوطني يبقيان رهنا بترابطها وعملها بشكل عضوي. فالقيمة الفردية لكلّ واحد من هذه المكونات على حدة محدودة جدا، ولا يمكن للمجتمعات أن تجني الفوائد من قوى العمل ونظم التربية، والعلم المحلي والعالمي إلا من خلال ضمان التعاون بينها جميعا.

إذا، يشكل العلم والمعرفة ومؤسسات التعليم ومؤسسات الأعمال ثلاثياً مترابطاً، وتنعكس درجة الاندماج العضوي لهذا الثلاثي في جودة وقيمة النواتج المادية وغير المادية لهذه المكونات، وتُحكم العمليات الاساسية للثلاثي بالاقتصاد السياسي الوطني.

إن إكتساب شخص ما للقدرات العلمية شيء سهل نسبياً، لكن جعل هذه القدرة متوافرة لخدمة المجتمع رهن بفعاليّة الثلاثي. والطاقة المحركة في هذا الثلاثي تأتي من الإبداع العلمي إذ يتم تمكين مؤسسات التعليم ومؤسسات الأعمال ككيانات بالإبداع. وقد طورت المجتمعات الصناعية إدارة هذه المكونات الثلاثة ذات العلاقة على امتداد عدة قرون، ونجحت في الوصول إلى مستوى عال من الاندماج الفعّال لوظائف هذا الثلاثي.

وحقيقة أن العلوم تدرس وتبحث في الجامعات والكليات، تجعل من هذه المؤسسات عماداً مهماً للمجتمع. ولكن لا بدّ أن تكون مراكز نشر العلم هذه موصولة بشكل جيد بالمستفيدين المحتملين، وذلك كي تتمكن من المساهمة في بناء المجتمعات وتطويرها.

وينمي المجتمع الحديث حزاماً واسعاً لإنشاء مراكز “إنتاج المعرفة” ومراكمتها ونشرها. وقد تكون هذه المراكز إمّا منفصلة أو متممة لبعضها البعض. وفي هذا المجتمع، بات العلم انسيابيا، يستطيع أن ينتشر من غير عائق من خلال مسام المجتمع وهيئاته. وكلما كان نفاذ القوى العاملة أسهل وأبسط إلى مراكز نشر المعرفة، كان ناتجها وإنتاجيتها أعظم.

أحد الحلول التي لا بدّ من النظر فيها بهدف تفعيل مكونات التنمية الاجتماعية والاقتصادية المستدامة يكمن في ربط سوق العمل والمجتمع بالمؤسسات التعليمية مباشرة عن طريق إنشاء مراكز إنتاج المعرفة“. ويتم هذا الأمر على مستويين اثنين: الأول، من خلال ربط سوق العمل بمؤسسات التعليم التقني والمهني (كما هو موضح في الرسم البياني الأوّل). 

 
 


بهذا الشكل تصبح مراكز إنتاج المعرفة مراكز لريادة الأعمال ودعم رواد الأعمالتقوم داخل الكليات والمجتمع وتنتشر في جميع أنحاء الدولة. وتركز هذه المراكز على الابتكار الريادي وتطوير المجالات التي تلامس المجتمع مباشرة والمتمثلة في سد فجوة المنتجات والخدمات وتنمية الاقتصاد المحلي والمجتمعات.

أما المستوى الثاني، فيتعلّق بربط سوق العمل بمؤسسات التعليم العالي (الأكاديمية) بحيث تنشئ مراكز إنتاج المعرفةعلى ان تركز على البحث والتطوير العلمي في مجالات تخصصية وتكون مراكز الإبتكار والإبداع والبحث العلمي“. (كما هو موضح في الرسم البياني الثاني). 

 


 إن الهدف من إنشاء مراكز إنتاج المعرفة على هذين المستويين يكمن في تطوير شبكات علمية عالية المستوى داخل المجتمعات المحلية (مراكز الابتكار في الجامعات) وشبكات للابتكار لرواد الأعمال المحليين وربطهم بمؤسسات الأعمال مباشرة لترجمة المنتج المعرفي وإدخاله إلى الدورة الإقتصادية. كذلك، تساهم هذه العملية في إغلاق التباين القائم بين مخرجات المؤسسات التعليمية ومتطلّبات سوق العمل وذلك عبر بناء جسر يربط بين هذه المخرجات والمجتمع ومؤسسات الأعمال منذ المرحلة التأسيسية للطالب. هذه الاستراتيجية من شأنها تمهيد الطريق للمجتمعات من أجل حلّ تحدياتها المحلية بنفسها وتفعيل دور المجتمع المدني المعرفي في التنمية المستدامة.

كما يهدف إنشاء هذه المراكز وربطها ببعض من خلال فعاليات وأنشطة وطنية مشتركة إلى رفع مستوى تحصيل الطلبة وتقليص الفجوة بين مخرجات التعليم التقني ومخرجات التعليم التطبيقي والتعليم العالي الجامعي. الأمر الذي يسمح بالعمل على رفد سوق العمل بقوى عاملة كفؤ وتوفير البيئة المناسبة لخلق أسواق عمل وصناعات جديدة منبثقة من العرض والطلب المحلي، وبعقول محلية.

أما بالنسبة لمكون (دائرة العلم والمعرفة في الرسم البياني) فالمقترح أن تكون هناك وحدات للابتكار التعليمي تابعة لوزارات التربية والتعليم ومتواجدة كجزء من مراكز إنتاج المعرفة المشار إليها سابقاً. تختص هذه الوحدات بالاطلاع على ابتكارات المعلمين وتطوير وسائل وأدوات التعليم بهدف مواءمته مع آخر مستجدات الابتكار المحلي المنبثق من القطاع نفسه بما يتلاءم مع طبيعية وثقافة المجتمع والتحديات المحلية.